responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 241
بِالْحُجَّةِ وَالدَّلَالَةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ قَامَ فُلَانٌ بِالْأَمْرِ يَقُومُ بِهِ إِذَا أَجْرَاهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْقَائِمِ بِأَمْرِ الْقَوْمِ الْقَيِّمُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَسَبَ تِلَاوَةَ الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ إِلَى الرَّسُولِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا؟ قُلْنَا: إِذَا تَلَا مَثَلًا الْمَسْطُورَ فِي تِلْكَ الصُّحُفِ كَانَ تَالِيًا مَا فِيهَا وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابٍ مَنْسُوبٍ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَكْتُبُ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ في أول السورة، أهل الكتاب والمشركين، وهاهنا ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ فَقَطْ، فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟ وَجَوَابُهُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُقَرُّوا عَلَى دِينِهِمْ فَمَنْ آمَنَ فَهُوَ الْمُرَادُ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ قُتِلَ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَثَانِيهَا: أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا عَالِمِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ وَجَدُوهَا فِي كُتُبِهِمْ، فَإِذَا وُصِفُوا بِالتَّفَرُّقِ مَعَ الْعِلْمِ كَانَ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَدْخَلَ فِي هَذَا الْوَصْفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ تُبْطِلُ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ تَفَرَّقُوا فِي الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا رَكِيكٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَإِرَادَتَهُ لَهُ حَاصِلٌ فِي الْأَزَلِ، أما ظهروه مِنَ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْحَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أن الكفر والتفرق فعلمهم لَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ قَالَ: أُوتُوا الْكِتابَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ آتَاهُمْ ذَلِكَ فَالْخَيْرُ وَالتَّوْفِيقُ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ، وَالشَّرُّ وَالتَّفَرُّقُ وَالْكُفْرُ مُضَافٌ إِلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَا يَغُمَّنَّكَ تَفَرُّقُهُمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِقُصُورٍ فِي الْحُجَّةِ بَلْ لِعِنَادِهِمْ، فَسَلَفُهُمْ هَكَذَا كَانُوا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فِي السَّبْتِ وَعِبَادَةِ الْعِجْلِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ فهي عادة قديمة لهم. أما قوله تعالى:

[سورة البينة (98) : آية 5]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: وَمَا أُمِرُوا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَما أُمِرُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا بِالدِّينِ الْحَنِيفِيِّ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَمَا أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِمْ فَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي حقنا وثانيها: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ:
وَمَا أُمِرَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تُفِيدُ شَرْعًا جَدِيدًا وَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى مَا يَكُونُ أَكْثَرَ فَائِدَةً أَوْلَى وَثَانِيهَا: وَهُوَ أَنَّ ذكر محمد عليه السلام قد مر هاهنا وهو قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةُ: 1] وَذِكْرَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ فَحَكَمَ بِكَوْنِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الْآيَةِ دِينًا قَيِّمًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْعًا فِي حَقِّنَا سَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا أَوْ شَرْعٌ جَدِيدٌ يَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِشَرْعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 241
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست